يا حسنها حين تجلت على
للشاعر: جبران خليل جبران
يَا حُسْنَهَا حِينَ تَجَلَّتْ عَلَى
عُبَّادِهَا فِي عِزَّةٍ لا تُرَامْ
بَيْنَ نُجَيْمَاتٍ بَدَتْ حَوْلَهَا
لَهَا رَفِيفُ القَطَرَاتِ السِّجَامْ
تَسْقِي عُيُونَ النَّاسِ شِبْهَ النَّدَى
مِنْ نُورِهَا الصَّافِي فَتَشْفِي الأُوَامْ
كَأَنَّمَا الزَّهْرَاءُ مَا بَيْنَهَا
مَلِيكَةٌ فِي مَوْكِبٍ ذِي نِظَامْ
وَالْقَوْمُ جَاثُونَ لَدَى حُسْنِهَا
سُجُودَ حُبٍّ صَادِقٍ وَاحْتِشَامْ
مُطَهَّرُو الإِيمَانِ مِنْ شُبْهَةٍ
مُنَزَّهُو الصَّبْوَةِ عَنْ كُلِّ ذَامْ
لا كَافِرٌ مِنْهُمْ وَلا مُلْحِدٌ
وَلا جُحُودُ خَافِرٍ لِلذِّمَامْ
مَا أَكْرَمَ الدِّينَ عَلَى أَهْلِهِ
إِذَا الْتَقَى فِيهِ التُّقَى وَالْهُيَامْ
وَكَانَ مِنْهُمْ رَجْلٌ يَعْتَلِي
مِنَصَّةً نُصَّتْ لَهُ مِنْ أَمَامْ
شَاعِرُهُمْ وَهْوَ لِسَانُ الْهُدَى
بَيْنَهُمُ وَهْوَ عَلَيْهِمْ إِمَامْ
يُسْمِعُهُمْ مِنْ وَحْيِهِ مُنْشِداً
شِعْراً لَهُ فِي النَّفْسِ فِعْلُ المُدَامْ
فَقَالَ مِنْهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ
ثَارَ بِهِ الشَّوْقُ وَجَدَّ الْغَرَامْ
يَا شَاعِرَ الوَحْي وَنورَ التقَى
أَلاَ لِقَاءٌ قَبْلَ يَوْمِ الحِمَامْ
قَدْ بَرَّحَ الوَجْدُ بِأَكْبَادِنَا
حَتَّى اسْتَطَلْنَا العُمْرَ دُونَ المَرَامْ
نَهْفُو إِلَى الزَّهْراءِ شَوْقاً فَإِنْ
جَفَتْ جَفَانَا صَفْوُنَا وَالسَّلامْ
لَقَدْ تَقَضَّى خَيْرُ أَيَّامِنا
وَنَحْنُ نَرْجُو وَرِضَاهَا حَرَامْ
إِذَا أَتَى اللَّيْلُ سَهِرْنَا لَهَا
بِأَعْيُنٍ مَفْتُونَةٍ لا تَنَامْ
وَإِنْ أَتَى الصُّبْحُ دَعَوْنَا بِأَنْ
يَخْفَى وَشِيكاً وَيَعُودُ الظَّلامْ
أَلَمْ يَحِنْ وَالعَهْدُ قَدْ طَالَ أَنْ
تُنْجِزَ وَعْدَ المُلْهَمِينَ الْكِرَامْ
فَتَتَرَاءى بَشَراً مِثْلَنَا
وَتَتَوَلَّى مُلْكَهَا فِي الأَنَامْ
فَرَفَعَ الشَّاعِرُ أَبْصَارُهُ
إِلَى الْعُلَى ثُمَّ جَثَا ثُمَّ قَامْ
وَاسْتَنْزَلَ الْوَحْيَ فَخَطَّتْ لَهُ
أَيَةَ نُورٍ فَتَوَلَّى الكَلامْ
وَقَالَ مَنْ قَرَّبَ مِنْكُمْ لَهَا
عِدَّة شَهْرَيْنِ وَصَلَّى وَصَامْ
أَبْصَرَهَا إِنسِيَّةً تَنْجَلِي
فِي المَعْبَدِ الأَكْبَرِ يَوْمَ الْخِتَامْ
فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَبَاتُوا وَهُمْ
بِمَا بِهِ الشَّاعِرُ أَوْصَى قِيَامْ
يَرْتَقِبُونَ المَوْعِدَ المُرْتَجَى
لِذَلِكَ الأَمْرِ الْعُجَابِ الجُسَامْ
حَتَّى إِذَا وَقْتُ التَّجَلِّي أَتَى
وَضَاقَ بِالأَشْهَادِ رَحْبُ المُقَامْ
وَانْتَثَرَ الْقَوْمُ صِغَارَ البُنَى
بَيْنَ سَوارِيهِ الطِّوَالِ الضِّخَامْ
وَأَوْشَكَتْ أَثْبَتُ أَرْكَانِهِ
تَمِيدُ مِمَّا اشْتَدَّ فِيهِ الزَّحَامْ
دَوَّتْ زَوَايَاهُ بِإِنْشَادِهِمْ
وَعَقَدَ التَّبْخِيرُ شِبْهَ الْغَمَامْ
وَشَحُبَ النُّورُ كَأَنْ قَدْ عَرَا
مِنْ غَيْرِهِ شَمْسِ الأَصِيلِ السَّقَامْ
فَلاحَ بُرْقٌ خَاطِفٌ بَغْتَةً
وَانْشَقُّ سِتْرٌ عَنْ مِثَال مُقَامْ
عَنْ غَادَةٍ مَاثِلَةٍ بِالجِسْمِ فِي
أَبْدَعِ رَسْمٍ لِلْجَمَالِ التَّمَامْ
مَنْحُوتَةٍ فِي الصَّخْرِ لَكِنَّهَا
تَكَادُ تُحْيِي بَالِيَاتِ الْعِظَامُ
لا رُوحَ فِيهَا غَيْرَ إِيمَاضَةٍ
مِنْ جَانِبِ الإِعْجَازِ فِيهَا تُشَامْ
لِحَاظُهَا تَرْمِي سِهَامَ الْهَوَى
وَوَجْهُهَا يَنْشُرُ آيَ السَّلامْ
وَصَدْرُهَا أُفْقٌ بَدَا كَوْكَبٌ
فِيهِ كَأَنَّ النُّورَ مِنْهُ ابْتِسَامْ
تِلْكَ هِي الزَّهْرَاءُ لاحَتْ لَهُمْ
وَالكَوْكَبُ الْبَادِي عَلَيْهَا وِسَامْ
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
جبران خليل جبران
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
