من يبتني للعلم دارا إنما
للشاعر: جبران خليل جبران
مَنْ يَبْتَنِي لِلْعِلْمِ دَاراً إِنَّمَا
هُوَ يَبْتَنِي مُسْتَقَبِلَ الأَوْطَانِ
اليَوْمَ حَاجَتُنَا إِلَى فَتَيَاتِنَا
شَرْعٌ وَحَاجَتُنَا إِلَى الفُتْيَانِ
تَهْذِيبُهُنَّ مُتمِّمٌ تَهْذِيبُهُمْ
وَرُقِيُّهُنَّ فِي آنِ
إِصْلاحُهُمْ إِصْلاحُ كُلِّ عَشِيرَةٍ
وَصَلاحُهُنَّ صَلاحُ كُلِّ زَمَانِ
وَفَلاحُنَا بِتَكَاتُفِ الجِنْسَيْنِ فِي
أَدَبٍ يَزنْهُمَا وَفِي عُرْفَانِ
يَا رَبَّةَ المِنَنِ الَّتِي شَادَتْ بِهَا
لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا ضُرُوبَ مَبَانِي
خَلَّفْتِ بِالفَضْلِ الَّذِي أَسْدَيتِهِ
ذِكْرَى مُرَدَّدَةٍ بِكُلِّ جَنَانِ
وَفَّيْتِ يُوسُفَ حَقَّهُ فِي قَوْمِهِ
مِنْ لُطْفِ مَنْزِلَةٍ وَرِفْعَةِ شَانِ
بِاسْميْكُمَا تَوَّجْتِ فِي سِفْرِ العُلَى
طِرْساً خَلا إِلاَّ مِنْ العُنْوَانِ
لَيْتَ السُّرَاةُ تَشَبَّهُوا بِعَقِيلَةٍ
فِي الخَالِدِينَ لَهَا أَعَزُّ مَكَانِ
جَادَتْ وَضَنُّوا أَقْدَمَتْ وَتَأَخَّرُوا
طَلَّتْ وَهُمْ فِي أَوَّلِ المَيْدَانِ
بَرَّتْ وَمَا بَرَّوا بِنَشْءٍ طَيِّبٍ
زَاكِي النَّبَاتِ إِلَى النَّدَى ظَمْآنِ
أَعْظِمْ بِخُطَّتِهَا الحَمِيدَةِ قُدْوَةً
لِمَنِ اشْتَرَى خُلْداً بِعُمْرِ فَانِ
لِفَرِيقِ خَيْرٍ مِنْ غَوانٍ هُنَّ عَنْ
أَغْلَى الحِلَى بِصِفَاتِهُنَّ غَوَانِي
يَسْعَيْنَ لِلْفَرَضِ النَّبِيلِ فَمَا تَرَى
إِلاَّ مَلائِكَ رَحْمَةٍ وَحَنَانِ
أَغْصَانُ بَانٍ لا يَمِيلُ بِهَا الهَوَى
للهِ مَيْلُكِ يَا غُصُونَ البَانِ
وَلَقَدْ يُسَاهِرْنَ النًُّجُومَ لَوَاسُجاً
دِفْئاً لِمَقْرُورِ الشَّوَى عُرْيَانِ
لَوْ يَغْتَدِينَ مُوَشَّبَاتٍ زينَةً
عُجْباً تَدُرُّ القُوْتَ لِلْغَرْثَانِ
كَمْ مَعْهَدٍ لِلْبِرِّ شَادَتْ حَوْلَهُ
أَبَرَّ رِقَاقٍ أَضْخَمَ العِمْدَانِ
وَبِأَنْمُلاتٍ نَاعِمَاتٍ أَسَّسَتْ
لِلْخَيْرِ فِيهِ ثَوَابِتَ الأَرْكَانِ
إِنِّي أُقَلِّبُ نَاظِرِي فَمَا أَرَى
فِي مَحْمَدَاتِ النَّاسِ كَالإِحْسَانِ
هَلْ يَبْلُغُ الإِنْسَانُ خُلُقَ غَيْرِهِ
أَعْلَى الذُّرَى فِي رُتْبَةِ الإِنْسَانِ
لَوْلا كِفَالَتَهُ وَحُسْنُ دِفَاعِهِ
لَمْ يُبْقِ تَدْمِيرُ عَلَى عُمْرَانِ
نَاهِيكَ بِالمَعْرُوفِ يَجْرِي كَالنَّدَى
وَبِهِ سَقَاءٌ مِنْ بَنَانِ حِسانِ
وَأَعِزَّةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ أَفَاضِلٌ
هُمْ نُخْبَةٌ فِي الشَّيْبِ وَالشُّبَّانِ
يَا سَامِعِي صَوْتَ الضَّمِيرِ وَجُلَّ مِنْ
دَاعٍ مُطَاعِ الأَمْرِ وَالسُّلْطَانِ
وَمُهَيِّئٍ سَبَبَ لِبَعْضٍ دُونَهُ
مَنْ صَاغَ آيَاتٍ مِنَ الشُّكْرَانِ
هَذِي تَحِيَّاتِي إِلَيْكُمْ لُطِّفَتْ
فِيهَا العِظَاتُ بِخَالِصَاتِ تَهَانِي
مِسْكُ الخِتَامِ بِهَا دُعَاءٌ خَالِصُ
لَكُمُ بِعَيْشِ رَفَاهَةٍ وَأَمَانِ
تَحْيَا فَريدَةُ عَصْرِهَا هِيلانَةٌ
وَيَعِيشُ كُلُّ مُؤَازِرٍ مِعْانِ
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
جبران خليل جبران
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
